Friday, February 16, 2007

قصة الشاب الصيني ... الهروب من المعتقل



" لقد دفعت لها كل ما أملك من مال ، حجزت لها الفنادق الراقية و تذاكر السفر على حسابي "

" رصيد حسابي أصبح صفراً " و هو يشير بـ يده على هيئة الصفر

سألته

" لماذا فعلت كل هذا ؟ هل كنت تريد أن تتزوجها ؟ "

" ليس تماماً "

قالت الألمانية

" الشباب !! ينخدعون بـ كل سهولة من الحسناوات "

" لكن هذا لا يمنعني من فعل الخير و مساعدة الغير ، فقد مررت بأوقات عصيبة في طفولتي "

سألته

" و كيف ذلك "


* Cambodia *

لقد ولدت و ترعرعت في كمبوديا

و عاشت عائلتي بأمن و سلام هناك قبل قدومي إلى الدنيا

قبل انتقالنا للعيش في استراليا

مرغمين و هاربين من الحاكم الشيوعي الطاغية في تلك الحقبة


* النظام الخميري الحاكم *
1975 - 1979

استولى الشيوعي المدعو بـ Pol Pot على الحكم في كمبوديا

على غرار خسارة أمريكا للحرب ضد فيتنام

و أول شيء فعله هو دفع الناس للمغادرة الإجبارية للمدن بحجة أن أمريكا قد تقوم بقصفها

صدقه الناس حين بدا ذو توجه مسالم في بادئ الأمر

و تركوا منازلهم و لم يعلموا ما ينتظرهم من مصير دموي هو الأسوأ في تاريخ آسيا المعاصر


تحركت أنا و عائلتي إلى تلك الأرياف و التي تبينت لاحقاً أنها لم تكن سوى " معسكرات اعتقال "

قلت مصادر الأكل و أجبرنا في العمل في الحقول و المزارع ، أوهمونا أن الإجلاء كان

لتقريب الناس من مصادر الطعام بسبب عدم كفاءة المواصلات لأيصالها لهم

لكن دوافع هذا التحرك الحقيقية هو كره لكل مظاهر التمدن و المحاكاة للحياة الغربية

و من أجل تحويل كمبوديا إلى دولة فلاحين و ليقتلع كل مظاهر الحياة المدنيّة الحديثة منها

و بالتالي يكسر شوكة أي تنظيم جاسوسي للعدو بحكم العدد السكاني القليل في المدن


* مسلسل الإرهاب *

عزلنا تماماً عن العالم الخارجي

و نضب الأكل حتى بان العظم من جلدة أبي

النظام الحاكم الجديد حاصر و أعدم أي شخص له علاقة بالحكومة السابقة

من الشرطة و ضباط الجيش السابقين و أفراد الحكومة

بل تعدى ذلك ليصل إلى أبادة أهليهم و ذويهم

لكيلا تبقى ذرة انتقام في قلب أي شخص يعيش في كمبوديا


الإعدام لم يتوقف عند هؤلاء فحسب

بل شمل كل من هو متعلم و مدرس

و كل من يرفض العمل و كثير الشكوى و المرضى

و كل من ينتحب على فقيده أو يمارس الشعائر الدينية

تنوعت طرق الإعدام

و استخدمت الفأس أحياناً للتوفير من الذخيرة

الجوع و و انتشار المرض كـ الملاريا ساهم في إبادة الكثيرين


ذلك اليوم المشؤوم

حين اقتاد الجنود أبناء عمي خارج المعسكر

و ما هي إلا لحظات حتى سمعنا دوي رصاص من بعيد

إيذاناً برحيلهم عن عالمنا


* الهروب من المعتقل *

في تلك الأثناء

كسب أبي صداقة و ثقة بعض الحراس

عن طريق تهريب السجائر إليهم

- أبي الذي لم أتوقعه أن يعيش إلى يومنا هذا -

عاهده أحدهم أن يعاونه في الهرب من هذا المعتقل

بعد أن يرتب له مع مرشد ليدله إلى شاطىء الأمان


أيقظني أبي ذات ليلة و قال " حان الموعد "

و رأيت أمي و أختاي و جدتي جاهزين جميعاً

و الحارس واقف عند الباب


*******

التففنا حول أبي و أومأ بـ رأسه إلى الحارس

أنّا جاهزون

انطلقنا في تخافت نحذر حتى الدوس على الحشائش

السكون مخيف من حولنا

لا حركة و لا همس و لا حتى ضوء مصباح

لا نسمع سوى صرير الحشرات


وصلنا سياج المعتقل حيث وجدنا المرشد و معه ينتظر

أمل الخلاص من براثين هذه الحياة القاسية


* حقل ألغام *

تقدمنا المرشد و نحن نتبعه في خضم هذا الليل المظلم

خطواته لا نكاد نراها

يقف أمامنا بـ مسافة ثم يلوح لنا لـ نلحق به

" من هنا ... من هنا "

كان علينا أن نسلك مساراً محدداً

لكيلا تطأ أقدامنا أحد الألغام المزروعة يمنة و يسرى

و في الوقت ذاته أن لا نثير انتباه مراقبي الأبراج

تجاوزنا الحقل بـ نجاح

و دخلنا في معمعة الغابات

لكن جدتي البالغة الـ 80 سنة أصابها بعض الإرهاق

فـ تباطأت حركتنا و تأخرنا بـ اللحاق بـ المرشد

حتى توارى عن الأنظار !!


* القرار الصعب *

مشينا على سجيتنا إلى أن وصلنا إلى مفترق طرق

لا نملك أدنى فكرة في أي الطريقين ذهب فيه المرشد

توجب علينا الاختيار بـ أسرع وقت

فـ إما أن نخطأ و نهلك أنفسنا

و إما أن نصيب و نلحق بـ ركب الحرية

الصمت يخيم علينا

و جميعنا نحدق في الممرين

حتى أشرت بيدي

" لـ نذهب من هذا الطريق "

عمري كان حينها 4 سنوات

كانت فرصة النجاة في تلك اللحظة 50%

و لحسن الحظ وفقت في اختياري

حيث كان هناك المرشد و تابعنا معه مشوارنا

بـ اتجاه البحر


* لسنا الوحيدين *

اتبعنا المرشد نحو احدى مراكب الصيد

و سلمنا إلى البحار و صعدنا على متن المركب

لـ نجد قرابة الـ 40 شخص محشورين في البهو

نزلنا معهم و رأيت في أعينهم

النظرات التي اختلطت بـ أمل مرغوب مع خوف من المجهول

تحرك بنا القارب بهدوء

و من بعيد ، هناك قوارب خفر السواحل الكمبودية

تجوازها البحار دون أي تدخل منهم


* عاصفة *

مع دفات المحرك و أزيز خشب المركب

نمخر عباب هذا البحر متجهين إلى الأراضي التايلاندية

تساقطت زخات مطر و صاح البحار

" نحن مقبلون على عاصفة "

تماسكت الأيادي و احتضنت أمّ صغيرها

زاد ارتفاع الموج و بدأ يرتطم على جدران المركب

برق و رعد مزمجر و بحر هائج

و المركب يتهادى و يتمايل مع كل طود من الأمواج

و هذا يتقيء على ذاك

هدأت العاصفة و مرت تلك الليلة المرعبة بـ سلام


* اقتربنا و لكن *

واصلنا الإبحار و المضي قدماً نحو Thailand

و هناك في الأفق البعيد قارب يتجه نحونا بسرعة

و من أول وهلة ظننا أنهم خفر السواحل التايلاندية

و لكن ...

لم يكونوا هم !!

إنهم ... إنهم


قراصنة بحار !

اعترضوا مركبنا و أوقفوا قاربهم بـ جانبه

اعتلى قائدهم المركب و جعل البحار يجثو على ركبتيه امامه

مصوباً مسدسه على رأسه

" أر جوك ... دعهم و شأنهم "

" أتوسل إليك ... اتركهم في سبيل حالهم "

نحن نتابع ما يجري بـ قلق و أبي يشد على يدي

" إنهم مجرد مساكين "

تمعن فينا القرصان لـ برهة

ثم أمر بـ إعطائه كل ما نملك من حلي و مجوهرات و أموال

لبينا له مراده و رحلوا عنا دون أن يصيبونا بـ أذى


* أجمل صباح *

استيقظت صباح اليوم الرابع

و نادى علي البحار

" Hey kid ! Do you want to see the land "

" يا فتى ! هل تريد أن ترى اليابسة "

و بسرعة تسلقت إلى حيث يقود المركب

و يا الله ! ما ألطف هبات هذا النسيم

و ما أروع الشمس و أشعتها المنعكسة على الشواطيء المزدانة بـ الأشجار

" تلك هي تايلاند "

و ستظل ذكرى ذاك الصباح خالدة في ذهني ما حييت

*******


نقلنا بعدها إلى مخيم اللاجئين التابع إلى الأمم المتحدة

و عرضت علينا دول مثل Canada و France و Australia اللجوء إليها

فـ اختار أبي استراليا

و أعطينا مبلغ و قدره 12 $

و عند وصولنا إلى Sydney

توجه بي أبي إلى سوبرماركت

و رآني أحدق في لعبة

" هيا خذها "

اشتريناها بكل ذاك المبلغ 12 $

و لازلت احتفظ بها حتى هذا اليوم


كنا نملك صفر من الأموال

أما الآن فـ كلا أختاي مليونيرة و تملكان أكثر من منزل

تدرجنا في كسب الرزق من المقاهي الصغيرة و وصلنا إلى ما نحن عليه الآن

و أنا حالياً أعمل موظف في مؤسسة مالية


جدتي قالت لي مرة

" كن دائم الشكر لله "

و هذا هو مبدأي في الحياة

,
,


انتهى ...

*******


تهون على المرء مصائبه إذا علم بـ مصائب الغير

الأمل في الحياة هو الإيمان بـ الله

و عندما تيأس و تفقد الأمل فـ أنك تفقد الثقة بـ الله

" إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " ( يوسف : 87 )


** القصة حقيقية **

** تايلاند معناها أرض الحرية **